موقع الدفاع العربي – 9 أغسطس 2025: أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الأول من أغسطس 2025، عن بدء الإنتاج الكمي لمنظومة الصواريخ الباليستية متوسطة المدى “أوريشنيك” وتسليم أول نظام منها إلى القوات الروسية.
وخلال اجتماع مشترك مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في جزيرة فالام، أوضح بوتين أن عملية نشر منظومة “أوريشنيك” في بيلاروسيا يُتوقع أن تكتمل قبل نهاية عام 2025.
ونقلت وكالة “تاس” أن روسيا وبيلاروسيا حددتا بالفعل موقع نشر هذه المنظومة، وتجري حالياً الاستعدادات اللازمة لذلك.
يُعرف صاروخ “أوريشنيك”، الذي يحمل التسمية الغربية SS-X-34، بأنه صاروخ باليستي متوسط المدى يعمل بالوقود الصلب، ويمكن نقله وإطلاقه بواسطة مركبة إطلاق برية. ويُعتقد أنه مستمد من الصاروخ الروسي RS-26 Rubezh الذي لم يكن مدرجاً سابقاً في برنامج التسليح الروسي.
ووفقاً للبيانات المتاحة من المصادر المفتوحة، يبلغ وزن الصاروخ نحو 40 طناً، وحمولة الإلقاء المقدرة لا تقل عن 1,200 كغ، فيما يتراوح مداه بين 800 و5,000 كيلومتر. ويعتمد النظام على قاذف متنقل مبني على هيكل MZKT-79291 أو نسخ معدلة منه، مع تصميم بمرحلتين يعمل بالوقود الصلب، ويُرجح أنه مزود برؤوس متعددة مستقلة التوجيه MIRV.
ويُتوقع أن يحمل كل صاروخ ستة رؤوس حربية منفصلة، يمكن لكل منها أن يُزوَّد بست ذخائر فرعية أو أهداف وهمية (شراك خداعية).
وقد سُجِّل أول استخدام عملياتي لصاروخ “أوريشنيك” في 21 نوفمبر 2024، خلال هجوم استهدف مصنع “بيفدينماش” الدفاعي في مدينة دنيبرو الأوكرانية، حيث أُطلق الصاروخ من ميدان التجارب “كابوستين يار”، وبلغت سرعته أثناء الطيران نحو 11 ماخ.
ووفق تقارير روسية ودولية في مطلع أغسطس 2025، فإن موسكو تدرس إمكانية نشر منظومة “أوريشنيك” خارج حدودها، مع طرح مواقع مثل فنزويلا وكوبا كخيارات محتملة للتمركز الأمامي، الأمر الذي من شأنه تعزيز الحضور العسكري الروسي وتوسيع نطاق الضربات المحتملة لتشمل جنوب الولايات المتحدة ومنطقة الكاريبي.
يُعد صاروخ “أوريشنيك” (بالروسية: Орешник وتعني “شجرة البندق”) أحدث منظومة صواريخ باليستية روسية من فئة الصواريخ متوسطة المدى (IRBM)، ويتميز بسرعته الفرط صوتية التي تتجاوز، وفقًا للجيش الأوكراني، 10 ماخ، أي حوالي 12,300 كيلومتر في الساعة (أو 3.4 كيلومتر في الثانية). تم تصميم “أوريشنيك” ليحمل ستة رؤوس حربية مستقلة (MIRV)، يُعتقد أنها مزودة بذخائر عنقودية فرعية، ما يعزز قدرته على تغطية مساحات واسعة من الأهداف.
ورغم أن اعتراضه يوصف بأنه “شديد الصعوبة”، إلا أن بعض أنظمة الدفاع الصاروخي الحديثة مثل “آرو-3” الإسرائيلية وSM-3 Block 2A الأميركية صُمّمت خصيصًا للتعامل مع تهديدات من هذا النوع، غير أنها غير متوفرة ضمن قدرات الدفاع الجوي الأوكراني.
وبحسب تصريحات نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، فإن صاروخ “أوريشنيك” يُعد نسخة معدّلة من الصاروخ الروسي RS-26 “روبيج” متوسط المدى.
ظهر “أوريشنك” لأول مرة في ساحة القتال في 21 نوفمبر 2024، ضمن الحرب الروسية الأوكرانية، حيث استخدم في ضربة استهدفت منشأة “بي أيه بيفدينماش” (PA Pivdenmash) العسكرية في مدينة دنيبرو الأوكرانية. وقد أُطلقت الصواريخ من منطقة أستراخان أوبلاست، ويُرجّح أن الإطلاق تم من ميدان تجارب “كابوستين يار”.
في البداية، أثارت الضربة تكهنات أوكرانية بأنها نُفّذت بصاروخ عابر للقارات (ICBM)، إلا أن تقييمات لاحقة أكدت أن الصاروخ المستخدم هو “أوريشنك”، المحمّل برؤوس MIRV. وتُظهر تسجيلات غير مؤكدة أن تلك الرؤوس لم تكن مزوّدة بمتفجرات، بل كانت رؤوساً خداعية (dummy warheads)، في ما اعتُبر استعراضًا سياسيًا للقوة أكثر منه هجومًا تكتيكيًا فاعلًا.
ورغم غياب المواد المتفجرة، خلّف الهجوم انفجارات استمرت ثلاث ساعات، بحسب شهود عيان. ويقول خبراء إن الطاقة الحركية وحدها الناتجة عن السرعة الفرط صوتية للرؤوس الخاملة، يمكن أن تتسبب بـ”أضرار جسيمة”، حتى بدون انفجار تقليدي. إلا أن صورًا فضائية لاحقة أظهرت أضرارًا طفيفة على أسطح منشآت “بيفدينماش” وبعض المباني السكنية المجاورة، ما يعزز الفرضية القائلة إن الهجوم كان رمزيًا أكثر منه مدمرًا.
التحديات الدفاعية: قدرة تفادي الاعتراض
يمتلك “أوريشنيك” خصائص تجعل اعتراضه أكثر تعقيدًا من غيره من الصواريخ النووية أو الباليستية التي استخدمتها روسيا حتى الآن ضد أوكرانيا، خصوصًا بفضل حمولته المتعددة (MIRV) وقدرته على التحليق عبر الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وهو ما يصعّب رصده بواسطة أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية الحالية.
ورغم هذا، يؤكد محللون أن أنظمة الدفاع الغربية الحديثة، مثل “آرو 3” الإسرائيلي وSM-3 الأمريكي، تم تطويرها للتعامل مع مثل هذه التهديدات، وإن كانت أوكرانيا لا تمتلكها حتى الآن.
رغم مزاعم الكرملين بأن “أوريشنيك” يُمثل طفرة تكنولوجية في مجال الأسلحة الفرط صوتية، إلا أن مسؤولين وخبراء في وزارة الدفاع الأميركية يعتبرونه مجرد تجميع لتقنيات قديمة كانت مستخدمة سابقًا في صواريخ عابرة للقارات، وليست ابتكارًا جذريًا.
ويقول الدكتور جيفري لويس، الخبير في قضايا عدم الانتشار، إن “لا شيء في تكنولوجيا أوريشنيك يمكن وصفه بالجديد”، موضحًا أن “الصاروخ يجمع تقنيات قائمة سلفًا، لكن في قالب جديد”. ويدعم هذا الرأي خبير عسكري في جامعة أوسلو، مشيرًا إلى أن المكوّنات الجديدة في النظام لا تتجاوز 10% من مجمل بنيته.
كما أن روسيا يُعتقد أنها تمتلك عددًا محدودًا جدًا من هذا الصاروخ، ما يجعل استخدامه المتكرر في ساحة المعركة أمرًا غير مرجّح في المدى القريب.
إشكالية الدقة
من أبرز الانتقادات الموجهة إلى “أوريشنيك” تتعلق بدقته. إذ تُظهر لقطات هجوم دنيبرو أنه غير دقيق بما فيه الكفاية لضرب أهداف تقليدية بدقة عالية، مما يثير الشكوك حول فعاليته في الاستخدام غير النووي.
ويؤكد ويليام ألبيركي، من مركز هنري إل ستيمسون، أن العالم لم يشهد حتى الآن أي منظومة MIRV روسية تمتاز بـ”دقة إصابة دائرية (CEP) مناسبة للاستخدام التقليدي”. ويشير خبراء آخرون إلى أن استخدام الذخائر الفرعية (submunitions) قد يخفف من تأثير ضعف الدقة، عبر توسيع مساحة التغطية الهجومية.
ميدانيًا، أفاد الرئيس الروسي بأن القوات الروسية تحقق تقدمًا على طول خط الجبهة، بما يشمل مناطق دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا في زابوروجيا وخيرسون. وأرجع هذا التقدم إلى “شجاعة وبسالة الجنود الروس”، مضيفًا أن وتيرة التقدم تختلف من منطقة لأخرى لكنها إيجابية بشكل عام.
أبرز الإنجازات الميدانية، وفقًا للجانب الروسي، تمثلت في السيطرة الكاملة على مدينة تشاسوف يار الواقعة في منطقة دونيتسك، والتي تُعد من المواقع الاستراتيجية المهمة. وفي معرض تعليقه على هذه السيطرة، شدد بوتين على أن روسيا “لا تحتل أراضي أجنبية، بل تستعيد ما هو حق لها”، في تصريح من المرجح أن يلقى رفضًا شديدًا من كييف والدول الغربية.
ورغم تصاعد حدة القتال، جدّد الرئيس الروسي تأكيده على استعداد بلاده للعودة إلى طاولة المفاوضات، مشيرًا إلى أن “الحوار السلمي ضروري دائمًا، ويجب أن يقوم على الاحترام المتبادل والرغبة الحقيقية في إنهاء الحرب”.
ويأتي هذا التصريح عقب الجولة الثالثة من المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي عُقدت في إسطنبول الشهر الماضي، واستمرت لأقل من ساعة. وأسفرت تلك الجولة عن اتفاق محدود على أسس إنسانية، شمل تبادل أسرى الحرب، وتسليم جثامين الجنود والمدنيين القتلى. كما اقترحت موسكو إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة عبر الإنترنت، لمعالجة الملفات السياسية والعسكرية والإنسانية بشكل منظم، إلا أن الجانب الأوكراني لم يؤكد بعد مشاركته في هذا الإطار.
ويمثل إدخال منظومة “أوريشنيك” إلى الخدمة تصعيدًا جديدًا في سباق التسلح المرتبط بالنزاع، حيث أن الأسلحة الفرط صوتية، القادرة على التحليق بسرعات تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت، يصعب اكتشافها واعتراضها مقارنة بالصواريخ التقليدية، ما يضع تحديات جديدة أمام دفاعات الناتو وحلفائه في المنطقة.
ورغم تأكيد موسكو أن هذه المنظومة تهدف بالدرجة الأولى إلى الردع، إلا أن منتقدين يرون في نشرها خطوة تصعيدية من شأنها أن تُسرّع سباق التسلح، وتُضعف فرص التوصل إلى هدنة دائمة.
ومع دخول الحرب عامها الثالث، يستمر العالم في متابعة تطورات النزاع عن كثب، حيث تساهم الأسلحة المتطورة مثل صاروخ “أوريشنك” في زيادة تعقيد المشهد العسكري، وتفاقم التكاليف البشرية والسياسية للنزاع المتصاعد.
