روسيا تعرض على الهند إنتاج مقاتلات سو-57 محلياً مع دمج رادارات وصواريخ هندية، في صفقة قد تدعم برنامج AMCA وتعزز الاستقلالية الدفاعية لنيودلهي وسط منافسة دولية على مناقصة 114 مقاتلة جديدة.
موقع الدفاع العربي – 4 سبتمبر 2025: تقدمت موسكو بمقترح لإنتاج مقاتلتها الشبحية من الجيل الخامس سو-57 داخل الهند، دعماً لمبادرتي نيودلهي “صُنِع في الهند” و”الهند المتمتعة بالاكتفاء الذاتي”.
ومن المرجح أن يتم هذا التعاون الإنتاجي مع الشريك التقليدي هندوستان أيرونوتكس ليميتد (HAL)، التي تملك خبرة واسعة في إنتاج المقاتلة Su-30MKI بموجب ترخيص.
ونقلت وكالة ANI عن مصدر في الدفاع الهندي قوله إن موسكو تقيّم حالياً حجم الاستثمارات المطلوبة لتأمين إنتاج النسخة التصديرية Su-57E في الهند، خصوصاً في منشآت HAL بمدينة ناشيك. كما أشار المصدر إلى أن الهند أبدت اهتماماً بالحصول على ما لا يقل عن سربين أو ثلاثة أسراب من هذه الطائرات.
وترى نيودلهي أن الانفتاح الروسي يشكل فائدة أكبر للهند مقارنة بشركاء أجانب آخرين، لاسيما أنه يساهم في دعم برنامجها الوطني للطائرة المقاتلة من الجيل الخامس AMCA (الطائرة القتالية المتوسطة المتقدمة)، الجاري تطويره بالتوازي.
ويشمل المقترح الروسي تسليم 20 إلى 30 طائرة في غضون أربع سنوات كدفعة أولى، على أن يتبعها إنتاج محلي يصل إلى 100 مقاتلة Su-57E بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.
وبالتوازي، تجري مفاوضات أخرى حول توريد ما يصل إلى 40 مقاتلة سو-35 كحل مؤقت لتعزيز سلاح الجو الهندي، الذي يمتلك حالياً 31 سرباً مقاتلاً فقط، أي أقل بكثير من الهدف الرسمي البالغ 42 سرباً.
وكشفت مصادر لوكالة رويترز أن موسكو مستعدة أيضاً لدمج أنظمة هندية في المقاتلة Su-57E، مثل رادارات Uttam وVirupaksha من نوع AESA، إضافة إلى صواريخ محلية مثل Astra وRudram. ومن شأن ذلك أن يمنح الهند سيطرة أكبر على منصاتها القتالية، ويجعل المشروع منسجماً مع هدفها في تحقيق الاكتفاء التكنولوجي.
أما بالنسبة لروسيا، فإن الاتفاق سيضمن لها الوصول إلى أحد أكبر أسواق السلاح في العالم في ظل الضغوط الشديدة التي تفرضها العقوبات الغربية. وفي المقابل، فإن إنتاج سو-57 محلياً سيمنح الهند قفزة في الاستقلالية الاستراتيجية، ويوفر فرص عمل عالية المهارة، ويعزز قاعدتها الصناعية الدفاعية.
ورغم تقارير عن تزايد الاهتمام، أكد مسؤولون هنود – بمن فيهم وزير الدفاع راجش كومار سينغ – أنه لا توجد حتى الآن مفاوضات رسمية لشراء طائرات Su-57E أو مقاتلات F-35 الأمريكية، مع بقاء تطوير مشروع AMCA أولوية رسمية.
في غضون ذلك، تستعد الهند لإطلاق مناقصة عالمية لشراء 114 مقاتلة متعددة المهام، بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والسويد والتحالف الأوروبي.

تُعد مقاتلة سوخوي سو-57، المعروفة لدى حلف الناتو باسم “Felon”، إحدى أبرز إنجازات الصناعات الجوية الروسية الحديثة، فهي طائرة شبحية متعددة المهام ثنائية المحرك، جرى تطويرها ضمن برنامج “PAK FA” الذي انطلق عام 1999 كبديل أكثر كفاءة واقتصادية للمشروع السابق ميغ 1.42/1.44 الذي لم يكتمل. وتحمل الطائرة في التصنيف الداخلي للشركة اسم T-50، وهي أول طائرة روسية تُصمم منذ البداية بتقنيات التخفي، لتشكل الأساس لعائلة مستقبلية من المقاتلات الشبحية القادرة على تنفيذ طيف واسع من المهام يشمل القتال الجوي والهجمات الأرضية والبحرية، مع التركيز على المناورة العالية، والتحليق بسرعات تفوق سرعة الصوت دون الحاجة لاستخدام الحارق اللاحق، إضافة إلى دمج إلكترونيات طيران متطورة وقدرة كبيرة على حمل الأسلحة.
أقلعت أول نموذجية من هذه الطائرة في رحلة تجريبية عام 2010، غير أن البرنامج تعرض لسلسلة من التأخيرات والمشكلات التقنية والهيكلية، كان أبرزها تحطم أول طائرة إنتاجية قبل دخولها الخدمة. ورغم هذه التحديات، انضمت أول مقاتلة من الطراز إلى قوات الفضاء الروسية في ديسمبر 2020، لتصبح أول طائرة روسية من الجيل الخامس تدخل الخدمة الفعلية، وهو ما اعتُبر نقطة تحول كبرى في تطوير القدرات الجوية لموسكو.
اعتمد تصميم سو-57 على تقنيات متقدمة لتقليل البصمة الرادارية وتعزيز خصائص التخفي، مستخدماً مواد هندسية خاصة وأساليب مشابهة لتلك التي ظهرت في المقاتلات الأمريكية مثل إف-22. فجاءت الحواف الأمامية والخلفية للأجنحة والأسطح المتحركة بزوايا مدروسة تقلل انعكاسات الرادار، بينما وُضعت الأسلحة داخل مخازن هيكلية داخلية بدلاً من تعليقها خارجياً، وأُدمجت الهوائيات بشكل غائر في البدن للحفاظ على الانسيابية، في حين غُطيت الأسطح الخارجية بمواد ماصة لموجات الرادار. كما جُهزت الطائرة بأنظمة بحث وتعقب بالأشعة تحت الحمراء يمكن إخفاؤها عند عدم الحاجة، وتم تغطية الأجزاء الخلفية بمواد ماصة للموجات الكهرومغناطيسية. ولتقليل الانكشاف الناتج عن مداخل الهواء، استخدمت الممرات الملتوية والحواجز الشبكية المائلة لإخفاء شفرات المحرك الأمامي، وهو نهج مشابه لتقنيات غربية متقدمة.
أما مظلة قمرة القيادة فقد طُليت بطبقة معدنية شفافة بسماكة دقيقة تمتص موجات الرادار وتقلل انعكاسها بما يقارب 30%، إضافة إلى توفير حماية للطيار من الأشعة فوق البنفسجية والحرارية. وبفضل هذا المزيج من التصميم الانسيابي والمواد الماصة، يُقدّر أن المقطع الراداري لسو-57 أصغر بثلاثين مرة مقارنة بسو-27، إذ يتراوح متوسطه بين 0.1 و1 متر مربع، مقابل 10 إلى 15 متراً مربعاً لسو-27، مع تركيز أكبر على خفض البصمة من الأمام.
ومع أن الطائرة أقل شبحية مقارنة بالمقاتلات الأمريكية الحديثة مثل إف-35 وإف-22، إلا أنها تمثل تقدماً لافتاً على الطائرات الروسية السابقة. وقد وُجهت إليها انتقادات مرتبطة بجودة التصنيع في النماذج الأولية، حيث رُصدت مسامير بارزة وفجوات بين الأجزاء وعدم إغلاق كامل لأبواب مخازن الأسلحة، وهي عيوب يمكن أن تؤثر على الكفاءة الشبحية إذا لم تُعالج في النسخ النهائية.
تُظهر الاختبارات أن فعالية التخفي في سو-57 تكون أوضح أمام الرادارات العاملة في الترددات العالية، وهي الأكثر شيوعاً في الطائرات القتالية، بينما تستطيع الرادارات منخفضة التردد رصدها بشكل أفضل رغم ضعف دقتها وإمكانية التشويش عليها. وقد برزت هذه الملاحظات مجدداً عندما ظهرت الطائرة النموذجية الرابعة T-50-4 في معرض “تشوهاي” بالصين في نوفمبر 2024، حيث وثقت الصور المتداولة مظاهر خلل في التجميع كالمسامير غير المتساوية وتفاوت أنواع البراغي المستعملة، وهو ما يتعارض مع معايير الطائرات الشبحية التي تتطلب تثبيتات ملساء أو مخفية.
ورغم هذه التحديات، تبقى سو-57 خطوة استراتيجية مهمة لموسكو، إذ تجمع بين تقنيات التخفي والمناورة والسرعة العالية والإلكترونيات المتقدمة، لتشكل ركيزة أساسية في أسطول الجيل الخامس الروسي، وتضع روسيا في مصاف الدول المالكة لمقاتلات شبحية متعددة المهام في الخدمة الفعلية، مع آفاق مستقبلية للتصدير إلى دول حليفة أو مهتمة بهذه القدرات.

