تسليم مستلزمات طبية تدعمها منظمة الصحة العالمية إلى مديرية صحة السويداء للمساعدة في إعادة تزويد المشافي ومراكز الرعاية الصحية الأولية بالمواد في جميع أنحاء المحافظة. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية
في 10 تشرين الثاني 2025، السويداء ودرعا، الجمهورية العربية السورية – أدرك أبو ليث، الذي لديه خمسة أطفال، أن وقت المغادرة قد حان عندما وصلت المواجهات إلى حافة قريتهِ في جنوب سورية، ويتذكر قائلاً: “سمعنا قصفاً قرب المدرسة ورأينا الناس يركضون.. حزمنا حاجيات الأطفال وبعض البطانيات وانطلقنا بسيارتنا دون أن نعرف أين سنبيت”.
تقيم عائلة أبي ليث اليوم في مركز إيواء مكتظ في نامر الهوى، وهي قرية في محافظة درعا، حيث وصلت عشرات العائلات النازحة في الأشهر الأخيرة. يقول أبو ليث: “زوجتي حامل في شهرها السادس وتحتاج إلى إجراء فحوصات دورية، ولكن لا يوجد طبيب في المركز” ويضيف “الأطفال يعانون من السعال المستمر وأصغرهم يحتاج إلى حليب لا يمكننا العثور عليه.. وكل يومٍ ننتظر ونأمل أن يزورنا أحد ما حاملاً لنا الأدوية.”
منذ شهر تموز، أدت الأعمال العدائية في السويداء إلى نزوح واسع النطاق في كل من درعا والسويداء، ما أجبرَ نحو 187,000 شخص على الفرار من منازلهم وعرَّضَ نحو 820,000 شخص لخطر صحي متزايد، وتعاني الملاجئ والمجتمعات المضيفة من الضغط بسبب اكتظاظ العائلات في أماكن مشتركة محدودة الموارد كالمياه والمرافق الصحية والرعاية الطبية، ويبلِّغ العاملون الصحيون عن ارتفاع في حالات التهابات الجهاز التنفسي والإسهال والقمل والأمراض المرتبطة بالتوتر، وكلها تتفاقم بسبب نقص الأدوية والكوادر الطبية.
يقول لؤي الحريري، ممرض في الفريق الطبي الجوال التابع لجمعية “لمسة شفا” والذي عمل سابقاً في درعا: “الأوضاع في مواقع النزوح مقلقة.. نرى أطفالاً مصابين بالالتهاب الرئوي والإسهال والتهابات جلدية ونساء حوامل لم يزرن طبيباً منذ أشهر. يحاول فريقنا الجوال الوصول إليهم وتقديم الأدوية والتوعية بشأن النظافة والصحة النفسية. يجب أن يدرك هؤلاء السكان أننا لم نَنسَهم”.
د. وائل إسماعيل، مسؤول الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية – سوريا، يزور وحدة العناية المركزة في مستشفى السويداء الوطني لتقييم المعدات ومدى جاهزية الاستجابة للطوارئ. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية
وتواجه المشافي المحلية أيضاً صعوبات في تلبية الاحتياجات المتزايدة، ثلاثة مشافي من أصل أربعة في السويداء تعمل بكامل طاقتهما، بينما تعمل العديد من مراكز الرعاية الصحية الأولية بشكل جزئي، وتحدث أعطالٌ متكررة في المعدات ونقصٌ في الأوكسجين ومواد التخدير والوقود، كما تعاني خدمات الإسعاف من الضغط الشديد، إذ يحتاج نحو نصف أسطول سيارات الإسعاف إلى إصلاح.
وللمساعدة في استقرار حالة الخدمات الصحية، عززت منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية عمليات توريد المستلزمات والأدوية الأساسية. يقول غزوان أبو الشامات، مساعد لوجستي في منظمة الصحة العالمية: “لقد قدَّمنا 14.4 طن من المستلزمات الصحية المنقذة للحياة منذ تموز، وتتمثل الصعوبة الرئيسة في ضمان وصول المواد الآمن وتسليمها في الوقت المناسب على الرغم من القيود الأمنية، وبالنسبة لنا، ليس هذا العملُ مجرد دعم لوجستي، بل هو منح بصيص الأمل للآخرين، فكل صندوق نوصله يعني حصول عائلة على الدواء الذي تحتاجه”.
تقوم منظمة الصحة العالمية بتوفير أسطوانات الأكسجين وإعادة تعبئتها لضمان استمرار الخدمات دون انقطاع في وحدات العناية المركزة وغرف العمليات في مستشفى السويداء الوطني. حقوق الصورة: منظمة الصحة العالمية
شملت عمليات التسليم التي تمت مؤخراً مجموعاتِ علاج الصدمات والرضوض والطوارئ وأدوية الأمراض المزمنة ومعدات دعم الأكسجين للمشافي في السويداء وشهبا وصلخد، كما قدمت منظمة الصحة العالمية دورات تزويد بالأكسجين للحفاظ على استمرار عمل وحدات العناية المركزة ودعمت فرق التطعيم والترصد المسؤولة عن المواقع عالية الخطورة كما وزعت مسبقاً مجموعات أدوية الكوليرا وأقراص تعقيم المياه تحسباً لتفشي الأمراض.
وفي الوقت نفسه، تواصل الفرق الطبية الجوالة زيارتها لمواقع النزوح، مقدمة خدمات الاستشارات الطبية ورعاية صحة الأم والدعم النفسي الاجتماعي. يضيف الممرض لؤي: “الأمر الأهم هو أن نكون على مقربة من الناس، فهم يحتاجون لرؤيتنا نعود إليهم، وهذا يمنحهم الثقة والشعور بالأمان”.
ومع تزايد الاحتياجات واقتراب فصل الشتاء، يؤكد العاملون الصحيون أن الحفاظ على عمل المشافي واستمرار نشاط الفرق الجوالة سيظل عاملاً هاماً. يقول المساعد اللوجستي غزوان: “كل كيلومتر نقطعه وكل شحنة نوصلها هي بمثابة انتصاراً بسيط، فهذا يعني أن النظام الصحي لا يزال قائماً وأن الذينَ يقدم لهم هذا النظام الخدمات صامدون كذلك “.

