خلال شهر آيار/مايو الجاري، نظّمت شركة “لايڤبل إيرث” (Liveable Earth)، بالتعاون مع “معهد غوته” بالقاهرة، فعالية بيئية جديدة تحت عنوان “اجعلها تدوم”، طرحت مقاربة مبتكرة لقضية الموضة المستدامة، متجاوزة الطرح النظري إلى تجربة مجتمعية قائمة على التفاعل، والإصلاح، والتبادل.
جاءت هذه الفعالية كجزء من برنامج “ورشة الإبداع” التابع للمعهد، ما يعكس التزامه المتزايد بدمج قضايا الاستدامة في برامجه الثقافية والتعليمية. امتدت الفعالية على مدار يومي 17 و24 آيار/مايو، وشكلت مساحة مفتوحة للمهتمين بالبيئة والموضة البديلة لاستكشاف سبل تقليل النفايات، وإعادة الاعتبار للعلاقة بين الفرد وملابسه.
شهدت الفعالية أنشطة إصلاح ملابس
حراك عملي
“نحن لا نواجه مجرد مشكلة مناخية، بل أزمة عالمية تتطلب تحركاً جماعياً”، هكذا استهلت إسراء أبو رحاب حديثها لـ”النهار”، وهي أحد مؤسسي “لايڤبل إيرث”، مؤكدة أن “المبادرة تسعى إلى إحداث تغيير يبدأ من وعي الأفراد وسلوكهم، وينعكس لاحقاً على اختياراتهم الاستهلاكية، سواء في الشراء أو في أسلوب العناية بما يمتلكونه من ملابس”.
تضمنت الفعالية مجموعة من الورش العملية التي تنوعت بين إصلاح الملابس يدوياً، وتبادلها بين الحضور، وتحليل الألوان الشخصية لمساعدة المشاركين على اختيار قطع ملائمة لهم. وكان لكل نشاط هدف بيئي مباشر: إطالة عمر الملابس. كسر حلقة الاستهلاك المتسارع. وتثبيت ممارسات الاقتصاد الدائري داخل المجتمع المحلي.
سلطت الفعالية الضوء على الآثار الكارثية لصناعة الأزياء السريعة، والتي تعد من أكثر القطاعات استنزافاً للموارد الطبيعية حول العالم. تقول إسراء أبو رحاب إن أكثر من 70 بالمئة من الملابس المنتجة عالمياً تحتوي على ألياف صناعية غير قابلة للتحلل، تراكمت إلى حد أن بعضها يمكن رؤيته من الفضاء، كما في صحراء أتاكاما بجنوب أميركا.
تميزت “اجعلها تدوم” بكونها تجربة تفاعلية لا تكتفي بالشعارات. فعبر ورشة “مصلح وفخور”، تعلم المشاركون تقنيات خياطة مبتكرة لإصلاح ملابسهم بأنفسهم. أما في ركن التبادل، فقد تبادل الزوار قطعاً مستعملة وفق نظام رمزي بسيط، ما وفر فرصة حقيقية لتجديد خزانة الملابس دون أي شراء.
أقيمت أيضاً جلسة لتحليل الألوان الشخصية، دمجت بين مفهومي الذوق الفردي والاستدامة، مبينة أن اختيار الملابس لا ينبغي أن يخضع فقط للموضة السائدة، بل لما يناسب الشخص ويخدم استدامة ما يملكه.
ورشة الإبداع
من جهتها، تؤكد روبين كيلرهالس، مديرة مكتبة “معهد غوته” بالقاهرة، أن التعاون مع مؤسسة “لايڤبل إيرث” يندرج ضمن رؤية أوسع يتبناها المعهد لدمج قضايا المناخ في برامجه الثقافية.
وتقول لـ”النهار”: “نحن نخصص جزءاً كبيراً من برامجنا لورش الإبداع التي تستهدف الأطفال والكبار، وتشمل مجالات متنوعة مثل: الروبوتات، والبرمجة، والعلوم، إلى جانب محور رئيسي نوليه أهمية خاصة، وهو الاستدامة”.
وتوضح كيلرهالس أن “هذا المحور كان الدافع الرئيسي للتعاون الأخير”، مشيرة إلى أن “المعهد يستعد حالياً لإطلاق برنامج جديد بعنوان “يوليو الأخضر”، يتضمن ورشاً بيئية متنوعة تسعى لتعزيز الوعي بقضايا المناخ لدى مختلف الفئات العمرية”.
ورغم تزامن الفعالية مع موجة حر شديدة، ترى مديرة المكتبة أن “التفاعل والحضور الجيدين يعكسان اهتماماً متزايداً من الجمهور، وارتفاع درجات الحرارة بحد ذاته يعد مؤشراً واضحاً على التغيرات المناخية التي تسعى الفعالية إلى لفت الانتباه إليها”.
ولدى سؤالها عن محدودية جمهور هذا النوع من الفعاليات، تقر كيلرهالس بأن “الأمر لا يزال موجهاً إلى شريحة ضيقة نسبياً من المجتمع”، لكنها تلفت إلى أن “الظروف الاقتصادية الحالية -رغم صعوبتها- قد تمثل فرصة لإعادة التفكير في أنماط الاستهلاك وتعزيز مفاهيم الاستدامة”.
وتقول: “نحن بحاجة إلى شراكات أوسع، خاصة مع مؤسسات تعمل على المستوى القاعدي داخل المجتمعات المحلية، حتى نتمكن من تنظيم فعاليات مشابهة في المدارس، والمراكز المجتمعية، والأحياء، لضمان وصول هذه الرسائل إلى شرائح أكبر وأكثر تنوعاً من الجمهور”.