شدّد أطباء ومتخصصون في القطاع الصحي على أهمية تعزيز صحة الأمعاء، لما لها من دور محوري في دعم الجهاز المناعي وتحسين امتصاص العناصر الغذائية، فضلاً عن أثرها المباشر في فاعلية الأدوية وصحة البشرة والشعر، وأكدوا أن صحة الأمعاء تشكل محوراً رئيسياً في منظومة المناعة وتعزيز فاعلية العلاج.
ولفتوا إلى أن الحفاظ على توازن البكتيريا المعوية ينعكس إيجاباً على جودة الحياة العامة، ويسهم في الوقاية من الأمراض المزمنة واضطرابات الهضم.
وتستند هذه التوصيات إلى بيانات مشروع العبء العالمي للأمراض، الصادر عن معهد مقاييس وتقييم الصحة والمدعوم من منظمة الصحة العالمية، والتي كشفت عن تسجيل أكثر من ملياري حالة إصابة بالأمراض الهضمية خلال العقد الماضي، ما يعكس تنامي أثر هذه الاضطرابات واتساع تداعياتها الصحية.
البكتيريا النافعة
وفي هذا السياق، أكدت الدكتورة ميرة حمد، أخصائية أمراض الجهاز الهضمي، أن الأمعاء تحتضن منظومة دقيقة من البكتيريا النافعة تُعرف بـ«الميكروبيوم»، التي تؤدي دوراً محورياً في تنظيم الهضم وإنتاج بعض الفيتامينات، فضلاً عن إسهامها الفاعل في تعزيز الجهاز المناعي.
ولفتت إلى أن أي اختلال في توازن هذه المنظومة قد يتسبب باضطرابات لا تقتصر على الجهاز الهضمي فقط، بل تمتد لتشمل صحة البشرة، والاستقرار النفسي، وكفاءة الوظائف المناعية.
وأكّدت أهمية اعتماد نمط حياة متكامل يعزز من صحة الأمعاء على المدى الطويل، مشيرة إلى أن التغذية السليمة تُعد ركيزة أساسية في استعادة التوازن البكتيري داخل الجهاز الهضمي، ودعت إلى إدراج مصادر طبيعية للبروبيوتيك ضمن النظام الغذائي اليومي، مثل الزبادي والمخللات المخمّرة، إلى جانب تناول كميات كافية من الألياف النباتية، وشرب الماء بانتظام، مع الحد من استهلاك السكريات المكررة والأطعمة المصنعة التي تخل بتوازن الميكروبيوم.
الجهاز المناعي
وأوضح الدكتور عمر الحمادي، نائب رئيس جمعية الإمارات للأمراض الباطنية واستشاري أمراض الباطنة وطب نمط الحياة، أهمية الترابط الحيوي بين التغذية والميكروبيوم المعوي وكفاءة الجهاز المناعي، موضحاً أن هذا التوازن الدقيق يُعد محوراً أساسياً في تعزيز الصحة العامة، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة والسكري واضطرابات الجهاز الهضمي.
وأشار إلى أن الحفاظ على توازن الميكروبيوم يُشكّل ركيزة وقائية، إذ إن فرط نشاط الجهاز المناعي قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض مناعية ذاتية، في حين أن انخفاض نشاطه يضعف قدرة الجسم على مقاومة العدوى.
وأوضح الحمادي أن الدراسات العلمية تشير إلى أن عدد الخلايا البكتيرية في جسم الإنسان يعادل تقريباً عدد خلاياه البشرية، ما يعكس الأهمية المحورية للبكتيريا النافعة، التي وصفها بأنها بمثابة صيدلية بيولوجية مصغّرة تنتج إنزيمات ومواد كيميائية لا تستطيع الخلايا البشرية تصنيعها.
وبيّن أن هذه الفعالية تبدأ من الفم وتمتد عبر الأمعاء الدقيقة، حيث تُمتص العناصر الغذائية، لتصل إلى الأمعاء الغليظة التي تهضم الألياف النباتية بكفاءة عالية، مؤكداً الحاجة إلى تطوير المزيد من الأبحاث المتخصصة للكشف عن طبيعة العلاقة بين ميكروبات الأمعاء وتطور بعض الأمراض.
وعي صحي
وأكّد الدكتور عادل سعيد سجواني، استشاري طب الأسرة، أن تزايد اهتمام الأفراد بالبروبايوتيكس خلال الآونة الأخيرة يعكس تنامي الوعي باتباع أساليب الحياة الصحية ومكافحة مظاهر التقدم في العمر، مشيراً إلى أن هذه البكتيريا المفيدة، التي تستوطن الأمعاء الدقيقة بصورة طبيعية، تُسهم في تعزيز كفاءة الجهاز الهضمي، رغم تأثرها بعوامل سلبية كالإفراط في تناول الوجبات السريعة وسوء استخدام المضادات الحيوية.
وأوضح أن بعض الأفراد يلجأون إلى استخدام البروبايوتيكس للتخفيف من أعراض كالانتفاخ والغازات، دون إدراك كافٍ وبصورة مفرطة، ما قد ينجم عنه آثار عكسية غير مرغوبة، ولفت إلى أن بعض الحالات المرضية، مثل فرط نمو البكتيريا أو ما يُعرف بـ«السيبو»، تتطلب تناول البروبايوتيكس وفق خطة علاجية محكمة، مع إمكانية إدراجها خلال فترة تناول المضادات الحيوية للمساعدة في الحد من الأعراض الجانبية دون التأثير على كفاءة العلاج.
محور رئيسي
وفيما يتعلق بالجهاز المناعي، أكدت الدكتورة حمدة الزعابي، استشارية أمراض المناعة، أن الأمعاء تمثل محوراً رئيسياً لمنظومة المناعة، إذ تستقر فيها أكثر من 70 % من الخلايا المناعية في الجسم، مشيرة إلى أن أي خلل في البيئة المعوية يؤثر سلباً في الاستجابة المناعية، ويجعل الجسم أكثر عرضة للالتهابات المتكررة والعدوى الفيروسية، مشيرةً إلى أن الأمعاء تُعد عنصراً أساسياً في منظومة الصحة العامة، وأن العناية بها تُسهم في تعزيز فاعلية العلاج، تقوية الجهاز المناعي، وتحسين المظهر الخارجي، ما يجعل الحفاظ عليها ضرورة صحية لا غنى عنها.
وفي السياق ذاته، ربطت الدكتورة مريم عبدالسلام، أخصائية التغذية العلاجية، بين صحة الأمعاء والمظهر الخارجي، مشيرة إلى أن تراكم السموم الناتج عن اختلال التوازن البكتيري في الجهاز الهضمي قد يؤدي إلى مشكلات جلدية مثل الأكزيما والبثور، إضافة إلى ضعف نمو الشعر وزيادة تساقطه.
ولفتت إلى أن ضعف امتصاص عناصر أساسية مثل الزنك، والبيوتين، والحديد يُعد من أبرز الأسباب المؤثرة في تدهور الحالة الجمالية، مشددة على تأثير الاستقرار النفسي في دعم صحة الأمعاء، في ظل ما يُعرف بمحور «الأمعاء والدماغ»، موصية بتحسين جودة النوم والتحكم في مستويات التوتر كعوامل داعمة للبيئة المعوية.