خطوة هامة يمكن التأسيس عليها، هي خطوة عقد اللقاء السياسي الموسع الذي انعقد صباح امس في دارة الرئيس نجيب ميقاتي في الميناء – طرابلس، وقد جاءت في مرحلة دقيقة وحساسة، عقب الاحداث الدموية التي شهدها الساحل السوري وادت الى نزوح آلاف السوريين من الطائفة العلوية نحو عكار وطرابلس، بموجات لا تزال متواصلة حتى الساعة، نتيجة ما اصاب قرى وبلدات ومدن الساحل من احداث دموية غير مسبوقة..
اهمية اللقاء السياسي – الروحي – النقابي انه استشعر مخاطر تداعيات تلك الاحداث الدامية على الشمال اللبناني، بما فيها مخاطر النزوح وما يمكن ان تحمله هذه الموجة الجديدة من تداعيات على القرى والبلدات العكارية وعلى مدينة طرابلس، خاصة اثر ما شهدته المدينة من توتر امني لحظة اشكال كاد ان يتطور ويتوسع، لولا تداركه بتدخل سريع من الجيش اللبناني والقوى الامنية.
فاللقاء الذي انعقد في طرابلس جاء في مرحلة حساسة تعيشها طرابلس والشمال، حيث تشهد نزوحا يزداد تفاقما ويرمي باثقاله على المجتمع الطرابلسي خاصة والشمالي عامة، سواء من الجانب الامني او من الجانب الانساني والاقتصادي، وهي جوانب كانت حاضرة على طاولة المجتمعين من رؤساء وزراء سابقين ووزراء ونواب حاليين وسابقين ورؤساء روحيين ونقباء مهن حرة.
فالشمال المشهود له بتعدد مكوناته وبوحدة عيشه المشترك بقي نموذجا رائدا للوحدة الوطنية، ومدينة طرابلس عانت من جولات عنف، ترفض تكرارها، ولعله احد اهم الدوافع لعقد اللقاء استباقا لاية محاولات عبث بامن واستقرار المدينة على خلفية النزوح السوري الجديد، عدا عن اهمية احتضان النازحين بدعوة الحكومة اللبنانية الى التواصل مع الهيئات الانسانية العالمية للمساعدة السريعة.
وعلى هامش اللقاء، يمكن تسجيل التالي:
اولا، يبدو ان الدعوة الى اللقاء جاءت على عجل، ربما لتسارع الاحداث والحاجة سريعا الى تدابير سريعة، مما ادى الى غياب عدد من النواب والمدعوين بداعي السفر، خاصة غياب نواب كثر من طرابلس وعكار، وغياب رئيس المجلس الاسلامي العلوي الشيخ علي قدور.
ثانيا، غياب قيادات امنية عن اللقاء، للاستماع الى آرائهم بما يتعلق بالنزوح والحدود .
ثالثا، من الاهمية بمكان توافق الجميع على ادانة الاحداث الدامية في الساحل السوري، ومن جهة ثانية ادانة فكرة التطبيع مع اسرائيل.
رابعا، وايضا من الاهمية بمكان، دعوة الحكومة اللبنانية وهيئات الاغاثة المحلية والعربية والدولية للمسارعة الى احتضان النازحين الجدد ودعمهم بكافة اشكال المساعدات.
خامسا، دعوة الحكومة السورية الى اعادة كافة النازحين السوريين من لبنان، واحتضانهم، والتأكيد على انتفاء صفة اللجوء عنهم.
وصدر عن المجتمعين ( اعلان طرابلس ) ، وجاء فيه:
بنتيجة الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق الساحل السوري مؤخراً، وما نجم عنها من نزوح إلى لبنان، وانعكاسات وتوترات عابرة في مدينة طرابلس وشمالي لبنان، تداعى أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والسيادة والسماحة والفضيلة، إلى اجتماع في دارة الرئيس نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس، للبحث في مخاطر وأبعاد ما جرى في منطقة الساحل السوري وتداعياته على منطقة الشمال اللبناني ومناطق أخرى من لبنان.
ونتيجة التداول أصدر المجتمعون البيان الآتي نصه:
-أولاً: يستنكر المجتمعون ويدينون أشدّ الإدانة الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق وقرى الساحل السوري، وما ادت اليه من تجاوزات يجب ضبطها فورا.
– ثانياً: يثني المجتمعون على توجّهات الحكومة السورية واجراءاتها، مع التشديد على جمع واحتضان مختلف مكونات سوريا الوطنية، والحفاظ على وحدة وكامل التراب السوري، والعمل على استتباب الامن واحلال الأمان وبسط سلطة الدولة السورية الحصرية والكاملة على كل أراضيها ومرافقها. كما يثمنون اعلان الحكومة السورية العمل على انجاز التحقيق المستقل في ما جرى ومحاسبة المسؤولين والمتورطين في أعمال قتل المدنيين الأبرياء والعزل واتخاذ الإجراءات الصارمة لمنع هكذا أعمال إجرامية مشينة وحماية المدنيين من كل اطياف الشعب السوري وتوجهاته، وتسهيل عودة النازحين، بعد ان سقط مفهوم اللجوء المعرّف باعلان جنيف. فاللاجئ هو الذي لا يرغب او لا يستطيع العودة الى بلاده، وهذا يعني انه لم يعد في لبنان لاجئون بحسب المفهوم الدولي.
– ثالثاً: يتوجه المجتمعون من مدينة طرابلس، مدينة العلم والعلماء، ومدينة الوطنية الحقة والعروبة الأصيلة والعيش المشترك والواحد، والتي سبق أن عانت من أحداث مؤسفة وظلم وتهميش في مراحل متعددة من تاريخها الحديث، وانطلاقاً من التجربة اللبنانية المريرة في الاقتتال والتناحر الداخلي المؤسف الذي سبق وعانى منه لبنان، يتوجهون إلى الأشقاء السوريين، وكذلك الى جميع اللبنانيين منبّهين ومحذّرين من مغبة وخطورة التورط من جديد في مواجهات أهلية عنفية، لأنّ التجارب أثبتت أنّ العنف واستخدام السلاح في داخل الوطن، لا يؤدي إلا إلى إشعال نيران الأحقاد واستدراج الثأر والثأر المضاد، مما يؤدي إلى الوقوع في الفخ الذي تنصبه وتعمل عليه إسرائيل، وهي التي تستمر في اعتداءاتها واحتلالها لمناطق في لبنان.
ولا بد ايضا من العمل على تعزيز ثقافة المغفرة والمصالحة وعدم الانتقام. فالانتقام لا يولّد الا الانتقام والفوضى والاحقاد.
– رابعاً: يدعو المجتمعون الدولة اللبنانية الى التواصل مع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية الى متابعة الأوضاع المستجدة في مناطق شمال لبنان الحدودية بفعل التدفق المستجد للنازحين السوريين بسبب الأحداث الجارية في سوريا. فهذه المشكلة تشكل ضغطا اضافيا على لبنان يضاف الى الضغوط المستمرة في ملف النزوح السوري منذ سنوات. كما نطالب بالتنسيق بين المفوضية وسائر المنظمات الدولية المعنية مع الحكومة اللبنانية عبر أجهزتها المختصة لحل هذه المعضلة، وضبط المعابر، وتأهيل المعابر الشرعية، لأنه لا يجوز أن يبقى هذا الملف ورقة تضغط على الواقع اللبناني، في وقت لم تعد للبنان القدرة المالية والخدماتية والسياسية على تحمل تداعيات هذا الملف. كما أن الأولوية في هذه المرحلة يجب ان تكون لتمكين الاغاثة الطارئة واعادة النازحين السوريين تباعاً إلى بلادهم بعد استقرار الأوضاع في العديد من المناطق السورية.
– خامساً: يرى المجتمعون ، مع بدء مسيرة التعافي في لبنان، والتي انطلقت مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتأليف حكومة الإصلاح والإنقاذ الجديدة برئاسة الدكتور نواف سلام، وجوب تضافر جهود جميع اللبنانيين وتضامنهم وتآخيهم، وتعزيز وحدتهم الداخلية، وبالتالي التنبه للمؤامرات المحاكة والفتن المدبرة، وذلك بالتمسك بسيادة الدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية على كامل أراضيها ومرافقها، والاحترام الكامل للدستور ولحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف، والتمسك بحكم القانون والنظام، والاحترام الكامل لقرارات الشرعيتين العربية والدولية ذات الصلة.
وشدد المجتمعون على رفض محاولات العدو الاسرائيلي فرض التطبيع مع لبنان،وكذلك فرض امر واقع عبر استمرار احتلال بعض المناطق. كما طالبوا الدول التي رعت تفاهم وقف اطلاق النار الى الضغط على العدو الاسرائيلي للانسحاب من كل المناطق التي لا يزال يحتلها ووقف خروقاته المستمرة للسيادة اللبنانية.
– سادسا: ان شمال لبنان ومدينة طرابلس، وهي العاصمة الثانية للبنان لا يزالان يعانيان الكثير من المشكلات المتراكمة التي تحتاج إلى معالجة مستمرة، ولاسيما على الصعيد الأمني لضبط الفلتان الحاصل واتخاذ كل الإجراءات الأمنية الوقائية، وهما ينتظران من الحكومة الجديدة الاهتمام بهما. ومن ذلك، العمل على اقرار قانون اللامركزية الادارية وإحياء وتنفيذ المشاريع المقرّة والأخرى الضرورية لتعزيز الأوضاع الاقتصادية، وملء الفراغ في المؤسسات الرسمية ومعالجة الشغور القضائي ، بما يسهم في معالجة الاوضاع الامنية وانتعاش الحركة الاقتصادية التي تحتاجها مدينة طرابلس ومنطقة شمال لبنان. عاشت مدينة طرابلس، عاشت منطقة الشمال، عاش لبنان”.