أمثال البابا الراحل فرنسيس لا يمكن تعويضهم، وفى الغالب يمثلون نماذج لا تتكرر كثيرا، ولهذا فسوف يظل فى ذاكرة الأجيال من المؤمنين وفى تاريخ البشرية نموذجا لا يمكن نسيانه، بل إنه يبقى فى قلوب البشر لأجيال بما قدمه من إصلاحات، فضلا عن تواضعه وحفاظه على مظهر فقير ربما لا يتناسب مع السلطة التى يمتلكها كرئيس للفاتيكان ومئات الملايين من المسيحيين، وهى سلطة تتجاوز السلطات الدنيوية لأى من زعماء العالم، حيث إن البابا مسؤول عن 1.2 مليار شخص من أتباعه، وعشرات القرون من العقيدة والتاريخ، وهو ما يجعل صلاحياته وسلطاته ضخمة تضعه فى مكانة فوق ما هو بشرى باعتباره يمثل سلطة السماء.
البابا فرنسيس اختار سلطة التواضع والمظهر المتقشف المتناسب مع وضع العالم وما يواجهه من فقر وصراعات وحروب تدمره وتضاعف من معاناة الضعفاء والمتعبين، وتبنى خطابًا ضد الحروب والصراعات والتسلح والعنصرية والإرهاب بوصفها أساس نشر الجوع والبؤس فى العالم.
البابا فرنسيس أو خورخى ماريو بيرجوليو، أرجنتينى، وهو أول بابا من العالم الجديد وأمريكا الجنوبية، وأول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا جريجورى الثالث «731 – 741». عرف عنه شغفه بالأفلام والموسيقى الشعبية فى الأرجنتين والأوروجواى، ورقص التانجو، ومتابعته كرة القدم، وكان من مشجعى نادى برشلونة. تولى فى 13 مارس 2013 بعد اعتذار البابا بندكت السادس عشر لأسباب صحية.
تناول فيلم البابوان «The Two Popes» أحداث استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر وإقناعه لخورخى ماريو كاردينال بيرجوليو، رئيس أساقفة بوينس آيرس، لأن يكون بديلا عنه، وقدم الفيلم بالفعل الكثير من الحوارات والتفاصيل التى تميز شخصية البابا فرنسيس، تدور غالبية أحداث الفيلم فى مدينة الفاتيكان، ويلعب أنتونى هوبكنز دور البابا بنديكتوس السادس عشر، بينما يقوم جوناثان برايس بدور خورخى ماريو كاردينال بيرجوليو، ويحاول البابا بندكت إقناعه بأن يكون بديلا عنه فى حال استقالته من كرسى البابوية، لكنه يبذل جهده لمحاولة إقناع البابا بإعادة النظر فى قراره بالاستقالة، حيث يتم استدعاء الكاردينال خورخى ماريو، رئيس أساقفة بوينس آيرس، إلى الفاتيكان بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثانى لانتخاب بابا جديد. وبعد محاولتين يتم انتخاب الكاردينال جوزيف راتزينجر، وهو أسقف ألمانى بارز، الذى حمل لقب البابا بنديكتوس السادس عشر، فى حين حصل الكاردينال بيرجوليو على ثانى أعلى عدد من الأصوات.
بيرجيليو يذهب للفاتيكان ليقدم استقالته من منصب رئيس أساقفة بوينس آيرس، ويعترف فى حواراته مع بنديكت بأنه يشعر بالذنب، لأنه يرى نفسه لم يدافع عن زملائه فى مواجهة القمع والقتل أثناء فترة الحكم المتسلط، لكن الفاتيكان لم يرد على الاستقالة، فيقرر الذهاب إلى روما وتقديم استقالته شخصيًا، يتم استدعاؤه إلى الفاتيكان.
يلتقى بيرجوليو وبنديكت بالمقر الصيفى للبابا، حيث يناقش الاثنان دور الله والكنيسة، ويروى بنديكت ما قاده إلى الكهنوت ويتحدث عن اهتماماته، ويعترف بنديكت البابا بأنه يعرف الاعتداءات على الأطفال ويعترف بيرجيليو بأنه يشعر بالذنب، يشاهد الاثنان البرنامج التليفزيونى المفضل لدى بنديكت «المفتش ريكس» فى محاولة لتعطيل مناقشة موضوع الاستقالة وإقناع بيرجوليو بالتراجع عنها. يظهر اهتمام بيرجيليو بالكرة وحرصه على مشاهدة المباراة وانحيازه لفريقه، بجانب تواضعه وحرصه على أن يطلب بيتزا من محل خارج الفاتيكان. فيلم الباباوين يسلط الأضواء على فرنسيس قبل أن يتولى ثم يتنحى البابا بنديكت، وينتخب البابا فرنسيس. بعض المسيحيين رأوا فى الفيلم تشويها لكلا الباباوين، بينما يرى كثيرون أن الفيلم يضعهما فى مكانة إنسانية.
وفى النهاية، يظل البابا فرنسيس أحد أهم الأحبار الروحانيين فى تاريخ الفاتيكان، وقد ألغى الكثير من التشريعات المتعلقة بالبابوية والمخصصات والمظهرية والتواضع فى الملبس والطعام والحياة، ظهر وهو يغسل أقدام اللاجئين، ويهاجم اختلال العدالة وغياب المساواة فى العالم، ويستعد العالم لانتخاب واحد من بين خمسة مرشحين، وكان داعية للسلام وخصما للصراع والفقر، وقبل يوم واحد من رحيله، دعا إلى وقف الحرب فى غزة، وتقديم المساعدة للشعب الفلسطينى، وكان من دعاة حوار المذاهب المسيحية، وأيضا الحوار عن الديانات، ويبقى فى ذاكرة الأجيال البابا عاشق الموسيقى والكرة والعدالة، ورافض الفقر والظلم والحرب.