وقال «العربى»، خلال حواره مع «الوطن»، إن محو الأمية للكبار حقٌ أساسىٌ من حقوق الإنسان ووسيلة للتمتع بالحقوق الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والصحية، مشيداً بمبادرة جريدة «الوطن» للقضاء على ظاهرة الأمية.
وإلى نص الحوار..
■ كيف ترى مبادرة جريدة «الوطن» للقضاء على ظاهرة الأمية؟
المعرفة تمثل أحد أركان التنمية البشرية الأساسية فى عالمنا المعاصر، فالمعرفة هى القوة الحقيقية، وتعد القدرة على القراءة والكتابة هى أحد العوامل المحورية التى تتيح للأفراد فرصاً غير محدودة للنمو والتقدم، ومن ثم تطوير ذاتهم وقدراتهم لتحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية، لذلك أشيد بمبادرة جريدة «الوطن» للقضاء على ظاهرة الأمية، فقضية الأمية تهدد استقرار المجتمع وتقدمه، فالأمية بمعناها الحرفى تعنى حرمان الفرد من فرص التعليم والتطوير واكتساب الخبرات، سواء كان ذلك قهراً أو اختياراً وبالتالى فهى من الأمراض الاجتماعية الخطيرة التى تلقى بظلالها على المجتمع فتسبب له مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية خطيرة اقتصادياً، لذلك أرى أهمية وجود مبادرات لمواجهة ظاهرة الأمية، فلدىّ يقين بأن محو الأمية للكبار حق أساسى من حقوق الإنسان، ووسيلة للتمتع بالحقوق الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية، وركيزة لبناء أسس السلام والتنمية فى الجمهورية الجديدة، وأرى أن محو الأمية ليس فقط لتحقيق منافع ذاتية، ولكن رافعة أساسية لتحقيق التحولات المرجوة لتنمية أكثر استدامة، فالقضاء على الأمية سوف يُسهم فى تحقيق العديد من المكاسب التى تسهم فى بناء مجتمعات أكثر استدامة وأكثر سلمية، حيث تتمثل هذه المكاسب فى تحقيق التماسك الاجتماعى داخل المجتمع، وتعزيز مفاهيم الولاء والانتماء، وفهم الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية للمجتمع الذى يعيشون فيه ما يمكّنهم من قبول التنوع وفهم الآخر.
■ ماذا عن تأثير الأمية على تنمية المجتمع؟
– الأمية تعيق التنمية والتقدم والازدهار والإنتاج والنمو وذلك لافتقار الشخص الأمى إلى أبسط المهارات اللازمة للعمل وتجعل من العامل مجرد عامل روتينى لا يمتلك مهارات التفكير والابتكار، تلك التى تساعده على اكتساب الخبرات، وبالتالى فالمتوقع أن تتقلص فرص زيادة الإنتاج وتطور أدواته وأساليبه، وينعكس ذلك أيضاً على العامل نفسه الذى لا يصلح إلا لمهام روتينية غالباً ما تكون ذات أجور أو دخل منخفض، ما يؤدى لعدم وجود العمالة المحترفة المثقفة، وتراجع الاستثمارات والإقبال عليها ما يؤدى إلى تباطؤ عجلة التنمية اجتماعياً.
■ البعض تحدث عن خطورة الأمية على المجتمع والأسرة ذاتها؟
– الأمية تؤدى لانتشار الجريمة والانحرافات السلوكية وارتفاع معدلاتها، خاصة مع عدم الترابط وعدم التطور الاجتماعى وانتشار الجهل وتفشى الخرافات، والشائعات والمعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة التى قد تُحدث الارتباك، كما أن الأمية تؤدى لسوء الفهم وسوء التقدير، ما يؤدى بدوره إلى تدهور العلاقات الأسرية وعدم احترام كل طرف من أفراد الأسرة للآخر، والاستئثار باتخاذ القرار أحياناً وعدم وضوحه أحياناً أخرى، كما أن عدم فهم الاحتياجات النفسية والوجدانية لباقى أفراد الأسرة قد يؤدى إلى تفكك الأسرة حتى ولو بقيت مرتبطة ورقياً أو رسمياً، كذلك هناك مخاطر أخرى حيث تؤدى الأمية إلى عدم فهم المواطن لحقوقه وواجباته ودوره الواجب أن يؤديه فى المجتمع ودور الدولة ومؤسساتها نحوه ما يجعله يشعر دائماً بالدونية والتهميش وعدم القدرة على التفريق بين الغث والسمين، وبالتالى الإخفاق فى أداء حقوقه وواجباته السياسية وسوء الاختيار، كذلك تُحد الأمية من انتقال الثقافات الجيدة للمجتمع وتطويرها والتعرف على ثقافات جديدة تناسب الظروف الاجتماعية، وبالتالى يصبح المجتمع عرضة للغزو الفكرى والثقافى من ثقافات أخرى.
■ ماذا عن انتشار الأمية فى محافظات الوجه القبلى، خاصة بين السيدات؟
تنتشر الأمية بين السيدات بشكل أكبر من الرجال، ويعود ذلك إلى عدة عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية، ووفقاً لإحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فمعدل الأمية وصل لـ16.1% فى عام 2023، بانخفاض قدره 1.4% مقارنة بالعام السابق، حيث بلغ معدل الأمية بين الذكور 11.4%، بينما بلغت معدل الأمية بين الإناث 21% فى عام 2023، حيث تصدرت محافظة بورسعيد أدنى محافظات مصر فى معدلات الأمية بنسبة قدرها 6.4% فى عام 2023، وشهدت 7 محافظات أقل معدلات الأمية بنسبة لا تتجاوز 10%، وهى محافظات بورسعيد، الإسكندرية، الوادى الجديد، السويس، دمياط، القاهرة، جنوب سيناء فى عام 2023، كما شهدت محافظة مطروح تطوراً كبيراً فى معدلات الأمية، حيث بلغت معدلات الأمية نسبة قدرها 39.2% فى عام 2022، مقابل 18.3% فى عام 2023، بانخفاض قدره 20.9%، فيما شهدت محافظات الوجه القبلى أعلى معدلات الأمية فى مصر، حيث جاءت محافظة بنى سويف أعلى محافظات مصر فى معدل محو الأمية بنسبة بلغت 25.4%، تليها محافظة سوهاج بنسبة 24.9%، تليها كل من المحافظات الفيوم، المنيا، قنا، أسيوط بنسب 24.3%، 22.2%، 19.9%، 19.6% على التوالى فى عام 2023.
■ ماذا عن خطورة التسرب من المدارس وانتشار الأمية؟
يعانى المجتمع المصرى العديد من المشكلات التى تراكمت على مدار عقود طويلة، وفى مقدمتها مشكلات التسرب من المدارس التى تتراوح بين 0.8% من البنين و1.4% من البنات من عدد التلاميذ بالمدارس فى كل عام وهى أرقام قد تبدو صغيرة جداً، لكن تراكمها على مدى الأعوام يعطى أرقاماً كبيرة نسبياً، لذلك فهى تعد من أخطر المشكلات التى تواجه العملية التعليمية فى مصر وتؤثر سلباً على بنية المجتمع وتقف عائقاً أمام تقدمه نظراً لما يترتب عليها من استمرار للجهل وزيادة معدلات البطالة والفقر، وتعميق الممارسات الاجتماعية الخاطئة، وهدر لطاقات المجتمع المستقبلية والقضاء على أى عائد متوقع من خطط التنمية المستدامة، فعرفت منظمة اليونيسف التسرب من التعليم على أنه «عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التى يدرس بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر»، ويعرف المُتسرب بحسب منظمة اليونيسكو بأنه كل شخص لا يكمل دراسته ويترك مقاعد التعليم قبل إنهاء سنوات الدراسة.
■ كيف يمكن مواجهة ظاهرة التسرب من التعليم؟
– يجب تكثيف الجهود الرسمية لحل مشكلة محو الأمية فى كافة أنحاء الدولة، وتعزيز البرامج التعليمية الموجهة للفئات الأكثر احتياجاً، كذلك تنفيذ حملات توعية وتثقيف واسعة النطاق بشأن أهمية التعليم ومكافحة مشكلة الأمية، ودعم تطوير المناهج التعليمية والبرامج الدراسية لتكون أكثر فاعلية فى تلبية احتياجات المجتمع، كذلك توفير المعلمين المدربين والمؤهلين لتوصيل المعرفة والتعليم بصورة فعالة، وتنظيم حملات القراءة والكتابة والتحسين المستمر للمهارات الأساسية للتواصل، وتحقيق الأهداف المشتركة فى مجال التعليم، كذلك توفير الدعم المالى والإمدادات اللازمة لضمان استمرارية البرامج التعليمية، وتحفيز المجتمع والأسر على تحفيز التلاميذ على الالتحاق بالمدارس والاستمرار فى الدراسة والتعلم.
■ ما أبرز الوسائل التى يجب أن يركز عليها الإعلام للمشاركة فى مجابهة الأمية؟
لكى يكون الإعلام فاعلاً فى هذا الشأن، يجب نشر ثقافة مكافحة التسرب من المدارس ومساعدة الأسرة على استمرار اندماج طفلهم بالمدرسة وذلك عن طريق حث مؤسسات المجتمع المدنى على تبنى ودعم هؤلاء التلاميذ علمياً ومالياً من خلال ندوات ولقاءات وتقييم وتحليل للواقع، كذلك يجب مناقشة خطط المؤسسات الحكومية المسئولة مع أصحاب الخبرة والمثقفين وكشف ما بها من أوجه قصور أو جوانب إيجابية لتعزيز هذه الخطط وتطويرها، بجانب حث المنظمات ورجال الأعمال على دعم هذه الخطط وتوفير عناصر النجاح لها بشكل حقيقى وليس ظاهرياً، وأخيراً محاسبة المقصر فى تقديم الخدمة، سواء كانت جهات أو أفراداً.
المأمول من المجتمع المدنى أكبر بكثير مما يقدَّم الآن، فمعظمها، إلا ما رحم ربى، يعتبر تعاوناً شكلياً للظهور والدعاية الإعلامية والتسويق لهذه المؤسسات والمنظمات أو أنها تستضيف أنشطة مبتورة لا ترقى إلى أن تكون خططاً استراتيجية ذات مضمون قابل للتطبيق، فلا بد من التعاون الحقيقى والاستمرارية مع مؤسسات الدولة التى تعد وتخطط للقضاء على الأمية، وتبنّى مبدأ التعلم مدى الحياة وأن يكون ممارسة وثقافة مجتمعية فى كل القطاعات وتوسيع الشراكة مع القطاع المدنى والخاص وقطاع الأعمال بمنهجية تكاملية وحوكمة وتنسيق دقيق وبناء قناعات مجتمعية والاستماع إلى صوت وحاجات الأميين المحلية.